تزورني صورتك في كل ليلة . وأجدك مطرقا تفكر ,ففيمَ يفكر من نفض عنه الدنيا وأفضى لخالق عظيم ؟
أيها الحبيب المسافر في فراغ الكون , صار الزمان والمكان ستارا صفيقا يفصلني عنك .
أيها المغادر بلا إذن ولا وداع , لا تزرني في ليلي ؛ فلعل النوم يغفو فوق جفن مسهد .
لا تحاول أن تخترق سجف الظلام ,ولا ركام الزمان والمكان الفاصل بيننا, فما عاد هناك بد من أن نصير إلى فراق , وما عاد هناك بد من أن تنتقيك الذاكرة لتبقى في بؤرتها ,وإن لم تزرني في المساء ,ولم تطرق نافذة الذهن لتقفز إليه .
أيها المودع بلا وداع, يا من تشاطر الأحلام في نومي المسروق خلسة من سويعات ليل أطبق فلا ينجلي إلا وقد أخذ ظلامه نور القلب, وترك بعضي مشتت بين خفق وشريان يحمل دما تلوث بذكرى و بينك حين تضمحل خلف نوافذ غرفتي المغلقة على ذكرياتك , وعلى أقوال قلتها وأقوال أحسست بجوارحي أنك ستقولها ولم أسمعها منك قط , وألف حكاية لم تنته وظلت ناقصة بفقدك ,ولا زالت تعتصر الأيام وتلوك الزمان باحثة لها عن نهاية متجاهلة أنها كأي شيء في الوجود لابد أن تصله النهاية وإن لم يسعَ إليها .
وحين لا تتورع عن المجيء خلسة إليَّ عبر شقوق زمن تعرى من كل شيء إلا من ضجيج ذئاب تلوت عند مسرح الكون بعد أن نثرت دماء الفرائس , أغلقت قلبي على ألم لم ينز إلا على الورق, ولم يكب ُ بي أبدا .
آهٍ منك, لقد جعلت ذهني مشرعا على كل الحياة يرتشف حكمتها لعلي أصل إليك في غيبوبتك الطويلة وغيابك غير المتوقع .
وحياتي تفتح ذراعيها لكل الاحتمالات الممكنة وغير الممكنة , وإن نسجت حولي روحك الطافحة على سطح القلب خيوط عنكبوت واهية تشلني رغم ضعفها .
ولكن هيهات أن امتطي خيلا لم تسرج بعد لأنسل إليك حيث لا زمان ولا مكان يمكن لي أن أجدك فيه أو أصل إليك .
وهكذا علمني فراقك كيف أحكم قبضتي على قلبي ويحكم قلبي قبضته على قلمي فينزف على قرطاس أبيض هو بياض أيامي التي لن تعود .

كفكف حيرتك ولملم بقاياك عند باب سكوني وتأملي , ولا تستفز الكلام فإنه لن ينفلت من لجامه الذي بات معقودا عند حرم صمتي .
حرر روحك من الوقف عند بابي ودعني انتظر أن تتحرر روحي من جسدي حتى التقيك .
فك قيدك بنفسك حتى تصعد نحو السماء ,واتركني أعالج قيودي التي أدمت الروح وأثقلت الجسد .
هل سألت نفسك ماذا تريد مني ؟
وما انتفاع روح انطلقت وتغلغلت في الوجود بروح لم تزل بين طين وماء تقاوم العدم .
عبثا تحاول هتك الزمان والمكان وكأنك نسيت أنك صرت في ما وراء الظن والغيب والمدى .
صرت شيئا آخر لا أعرفه ولا أفهمه ولا أدري ما هو .
هل لك أن تخبرني وقد صرت هناك ؟ ماذا هناك ؟
ما الذي يخفيه المدى والغيب وما وراء الكون ؟
لن تخبرني لأنك خضت تجربة قاسية تشبه في قسوتها يوم مخاضك وولادتك ,وعبرت بوابة تفتح للعابرين بلا عودة .
حقا فقد نسيت ؛ لن يسمح لك أن تخبرني عن هذه المعاناة وقد تُركتْ مفاجأة النهاية لكل بداياتنا التي لن تنتهي إلا بها , و تنتظر كل منا مرة واحدة غير قابلة للتكرار ولا للتجريب ولا للمغامرة .
ها قد فقدت بعض صمتي ولج ليلي بثرثرة المترنحين في السكون ,وقد حذرتك أن تمس خلوة ليلي وصمت سكوني , وها قد بقيتَ مكبلا بأساك , فلا تحاول أن تنخلع من أفكارك التي كستك بمهابة الموت وكساها الموت بغرابة البعد والاضمحلال.
لا تلمني على لهيب العتاب حين تزرع خطاك في كل درب أسلكه ؛وقد عرفت أن لا طريق سيوصل إليك ولا فجوة من الزمن قد تقودني نحوك وليس إلا لهيب حزن متقد .
سأوصد الأبواب ,وأغلق الطرقات ,وأشعلها حرائق حتى ترضى وتنطلق في رحاب موت غيبك جسدا , لعل قلق روحك يستقر بك حيث يجب أن تكون ,ولعل قلق روحي يستقر بي حيث كنت .
لك ود لا يضمحل وإن اضمحل جسدك وجسدي .
الجوهرة

5/4/ 1432 هـ

Share