فتح عينيه ببطء و استوى جالس على مرقده غير الوثير وقد امتزج صوت زوجته بهيرة بصوت أخته الكبرى صراخا كأنه توقيت يستيقظ عليه كل يوم.
تمتم لا عنا كل النساء
خرج من غرفته . بدا أمامهما قزما وإن لم يكن كذلك كانت كلاهما تحاول أن ترفع صوتها أعلى وقد زادت نبرة صوتيهما حدة عندما وقف ببلاهة ينظر إليهما
وكأنما تتنافسان على جذبه للصراع الدائر بينهما.
قالت زوجته التي كانت في الخمسين ولكنها بدت  قوية ببنية صحية , صارخة :أنت يا رجل , لم لا تسكت أختك لقد تجاوزت حدها ؟
صرخت أخته: بل لم لا تبلعين لسانك أنت ؟
كانت تقاربها في السن قليلا ولكنها ضئيلة الجسد حادة الملامح.
صاح بهما : قاتلكن الله يا معشر النساء .
تركهن ودخل الحمام ليغتسل ولا يزال صوتيهما يسمع.
خرج فكانت ابنته الكبرى تقف في وجهه تماما كانت تبدو في الثلاثين من العمر وكانت ضئيلة كعمتها حادة الملامح مثلها تماما بابتسامة عريضة قالت:
صباح الخير يا أبي .
رد بتوتر وغضب : أي خير ؟ اسكت هذا الضجيج حتى لا تستيقظ جدتك فيشتعل البيت بكامله .
هزت رأسها وببرود ابتسمت قائلة : إنهما تتفاهما  دعهما وقل لي متى تأخذني للسوق .
صرخ : أهذا وقته أنت أيضا, هيا ابتعدي عن طريقي.
وقبيل أن يدخل غرفته كانت ابنته ثانية وهذا أسمها الذي سماها به أبوها تقف أمام باب غرفته بادرته قائلة :جدتي استيقظت وهي تريدك وتريد إفطارها .
نظر إليها ثم قال : إفطارها  أنتن  تركتن شيئا يؤكل في البيت ؟
وقبل أن يدخل كانت ابنته أخيرة تركض نحوها التقطت يده وقبلتها, ثم قالت بلطف زائد :صباح الورد والفل والريحان لقد صنعت لك إفطارك يا أبي.
تهلل وجهه وابتسم ثم قال : أخ —أخ لو أنك ولد لكنت أسعد الرجال .
كان الضجيج لا يزال على أشده الأبواب تفتح وتغلق ووقع الأقدام يملأ صحن الدار الصغير .
ومازال هو يقف حيث كان ويلقي ببصره حوله ثم يهز كتفيه ويمط شفتيه في غيظ وتبرم واضحين.
يدخل تتبعه زوجته وتغلق عليهما الباب ولا تزال أخته تصخب وإن كانت قد تركت مكانها متجهة لغرفة تجمعها بأخواتها الثلاث وأمها وتغلق الباب.
في الغرفة صاحت زوجته وولولت قائلة : أنا أو أهلك , أنا ما عدت أستطيع العيش معهن .
لم يجب ولكنه راح يرتدي ثيابه بصمت وإن كان يغلي في داخله.
صرخت في غضب : أنت يا رجل , ألم تسمع ؟!
رد : بلى
إذن أجبني .
ماذا تريدين مني أن أقول ؟!
قل شيئا .
ردد : شيئا .
صاحت : قل لي أي شيء.
ردد: أي شيء.
صرخت غاضبة : تريدني أن أموت غيظا .
رد: يا ليت , لنقص العدد .
أي عدد ؟
ثم استرسلت في بكاء مفتعل فغادر الغرفة دون أن يلتفت إليها .
في صحن الدار التي كانت تموج بالنساء بأعمار مختلفة أخواته الثلاث وقد خرجن من الغرفة إلا الكبرى التي انتهت من صخب الصباح ودخلت لتأخذ استراحة حتى تستأنف الشوط الثاني بعد الظهر.
بناته الخمس كبرى وثانية وثالثة ورابعة والأخيرة وهذه هي أسماؤ هن يعملن على تنظيف البيت الصغير الذي بدا وكأنه يئن من تزاحم البشر فيه.
صاح : هل أدخلت الحمار في غرفة المعيشة يا رابعة .
ركضت إليه فتاة جاوزت العشرين بدت بدينة ثقيلة الحركة قالت ببلاهة : أي حمار يا أبي ؟
رد ساخرا : هل هناك حمار غيره يا أبي !
حمار أبيك .
نعم يا أبي ولكنه طوال الليل لم يدعنا لننام؟
لم يا رابعة ؟
كان يحكي.
يحكي وماذا قال ؟
رددت : هيقا —– هيقا .
هيا –هيا انصرفي عدمتك على هذا الغباء .
هكذا قال وهو يلوح بيديه في وجهها فقالت بابتسامة بلهاء : ما يقصد بذلك يا أبي ؟
ضحك قائلا : يقصد أخذ الله النساء جميعا في يوم واحد .
ردت : لذلك هو يقول : هي فمن هي ؟
غمغم بحرقة : اللهم استجب .
ثم واصل بغيظ : هي,  أي أنت .
وقبل أن يغادر كانت أخيرة تحضر له الإفطار فلوح بيده : أنا خارج للحياة لا أريد خذيه لأمي .
وقبيل أن يغلق الباب كان صوت زوجته : يا أبا الفضل , جد لي حلا قبل أن تعود .
صاح : يا أم الفضل حلك هو عزرائيل .
ثم صفق الباب خارجا .
لها بقية
سمو المشاعر
الجوهرة عبدالله السلولي
twitter facebook digg delicious linkedin technorati stumbleupon

الرد

6 تعليقات على “حكايات أبي الفضل”

  1. شكرا لكي اختي الجوهره تمتعت بالقصه وعشتها تماما وكان كلماتها الواقع شكرا لابداعك

  2. يقول المخلصة للغة الضاد:

    إنها المشكلات العائلية التي لايخلو منها أي محيط عائلي.
    لابد أن نزرع كمحيط عائلي أو مستوى على المجتمع ثقافة التسامح والتنازل عن بعض حقوقنا للآخر حتى تسير مركبة الحياة.
    قصة جمعت بين الفكاهة وحكاية وعرض مشكلة اجتماعيةتعاني منهابعض البيوت استمتعت كثير ابها وبالحوار الذي داربين شخصياتها، نحن في شوق لمتابعة باقي القصة.
    بـــاركــ الـلـه فيك على هذه القصص الرائـــعـــة،،

    • يقول الجوهرة عبدالله السلولي:

      عزيزتي المخلصة ,
      أشكرك كثير على روعة الحضور .
      لك خالص التقدير
      الجوهرة

  3. يقول ola:

    آستآذتي ..

    كم سُعدت حين قرأت عنوان ( حكآيات أبي الفضل )..

    أستمتع كثيرا بقرآئتها .. تضحكني القصة وخاصةً الأبنة رآبعه 🙂

    //

    سلمت يدآكِ أستآذتي ..

    إحترآمي وتقديري ..

    • يقول الجوهرة عبدالله السلولي:

      أشكرك علا على المرور وأفتقدك هذه الأيام.
      عسى المانع خير .
      تقديري
      الجوهرة



5٬306
HTML CSS