31 يناير
2013

ليست البطولة أقوالا ولا إدعاء وإلا لكان الأبطال بعدد الحصى  ألم يقل المتنبي :

لولا المشقة لساد الناس  ————- كلهم الجود مفقر والإقدام قتال

إن البطولة  فداء وتضحية وصلابة وقوة وثبات رأي,وعزيمة تشمخ باسقة حين تدلهم الخطوب وتهطل الكُـروب , فتجد البطولة رجالها منتصبة قاماتهم كالجبال الشامخات .

وتجلو الأحداث والكروب معادن الرجال فيتمايزون بمواقفهم وأفعالهم وتبقى الأقوال على هذا المحك الكاشف لحقيقة الأقوال .

وبطلنا كان فذا في مواقفه رجلا حقا في المهمات الصعبة محنك الرأي قوي العزيمة إنه صاحب القلعة بطل بيشة وبطل قبيلة بني سلول

إنه علي بن مشاري الصعيري  بطل القلعة وعقلها الحصيف. ذكره كاتب فرنسي  مورييس تاميزيه في كتابه  رحلة في بلاد العرب والذي رافق الحملة العثمانية على عسير فوصف ملامحه قائلا :

له رأس جميل التكوين وله عينان سوداوان تشعان بريقا ولهما رموش صبغهما الكحل بالسواد ، انفه مقوس 0اما ذقنه فتميل إلى الدقاقة وفمه متوسط ، لحيته بيضاء كثة. رجل معتدل القامة وبالرغم من تقدمه في السن الظاهر الذي يعاني منه , لايزال يبدو بمظهر المحارب .

هذا مظهره وهيئته ويالها من هيئة تبعث على التقدير والمهابة وليست الرجال بأشكالها وإنما بأفعالها فكيف إن يجمع مع حسن الهيئة ؛ صلابة قلب ,ورجاحة عقل , ويمان روح بالله .كان على قدر الرجولة وأكثر من ذلك وحين احتاجه قومه وجدوه في المقدمة ووجدوا عنده ما يحتاجونه من رأي سديد وحكمة وصبر ومجالدة للعدو .

كان سيدا  وبطل القلعة — حين حاصرها جيش الأتراك بقيادة حسن باشا والي الحجاز من قبل الدولة التركية .

لم تكن المقارنة بين الجيشين ؛ الجيش الغازي والجيش المقاوم تعني شيئا , فلا وجه مقارنة ولا تقارب ,فالعدو يفوقهم عددا وعدة ولكن المقارنة لا تكون هكذا أبدا ؛ لنقارن بقدر ما في النفوس من شجاعة وبقدر ما في القلوب من إيمان بالله أولا وبالحق ثانيا ,ولو أن بطل الرقيطاء قارن العدد والعدة لاستسلم عند أول تهديد جاء به رسول  حسن باشا في جراب رمى به عند بوابة الرقيطاء وفيه ورقة مطوية يقول فيها حسن باشا :

{ الصعيري علي , عليك بالاستسلام قبل غروب الشمس ، وإلا فستكون هذه آخر ليلة في حياتك }

ولكنه تحصن بالقلعة بعد أن تحصن بالله ثم بما في قلبه من شجاعة وما عند قومه من عزيمة وولاء لأرضهم ولشيخهم .

أرأيتم لو أن أحدا غيره يحاط بجيش دولة كالدولة العثمانية آنذاك بعدته وعتاده فيهدد ويوعد هل سيتمسك بقوته وشجاعته ويثق في حصافة رأيه ؟

لم يخبر بطلنا أحدا بأمر الرسالة وجاء رده كما هو رد الأبطال :

 {تعرف أن أسوار هذه القلعة مبنية من الطين ، ولكن ثمة شيئا حقيقيا تجهله وهو أن سواعدنا مصنوعة من الحديد }

أهي السواعد التي قويت من ذاتها أم أنها تغذت بقوة العزيمة والإرادة  .نعم والله إنها عزيمة الإرادة وقوة الأرواح التي تأبى الانكسار والخنوع

وما كان الصعيري إلا رجلا وابن الرجال  و ابن الأرض التي أكسبته صلابة كصلابتها وقوة من قوتها وتغذى من روح الأرض الصلبة فصار لها وبها  صلبا .

قد يسمي ذوو القلوب الضعيفة والأنفس الخانعة هذا مجازفة وتهورا ,ولكني أسميها شجاعة تأبى الاندحار  وتستعصي على التركيع ,والخنوع حتى وإن كان الثمن الروح ,فأي روح هذه التي ستكون بعد أن تذهب الكرامة ويهان المرء ,وما أظن الصعيري إلا هكذا فكر , فإما حياة تسر الصديق وأما ممات يغيظ العدى .

وكأني أتذكر قول عنترة :

لاتسقني كأس الحياة بذلة ——- بل بالعز فاسقني كأس الحنظل

وماذا بعد عليه أن يفعل بعد أن دكت المدفعية قلعته الطينية يقول :

وفي أحد الأيام كنت منهمكا في قراءة القرآن الكريم في غرفة كنت خصصتها لنفسي 0 وفجأة سمعت صوتا مروعا فوق رأسي 0 فإذا بي أرى كتلة حديدية هائلة قد انفجرت تسقط على بعد قدمين من المكان الذي كنت اجلس فيه ، ثم أحدثت انفجارا مروعا أنقذني منه حارس من ملائكة الرحمن ( لطف الله ) واستمر الترك في قصف مواقعنا بالقنابل 0
تركت مكاني حالا وذهبت إلى أحد المتاريس 0 كانت معنويات رجالي على غير ما يرام 0 بل أقرب إلى التراجع  لذا وجدت لزاما علي استخدام كل صلاحياتي لتحفيزهم على القيام بالواجب 0علمت اثنين من أفراد عائلتي طريقة إبطال مفعول المتفجرات بسحب فتيل المتفجرة قبل إن تصل النار إلى الكبسولة التي تحدث الانفجار 0

أي صلابة تمتلكها يا علي الصعيري ,حق لنا أن نفخر بمثلك وها هو في أحلك الظروف يخلو إلى مصحفه يستمد من ربه القوة . إيمان وشجاعة هذا ما نحتاجه في رجالنا اليوم .وكما وهب قوة وصلابة وهب رأيا حصيفا وعقلا راجحا وما القائد إن لم يكن كذلك يقول :

انفجرت كثير من القنابل التي أدت إلى خراب إضافي في قلعتي الضعيفة0وبعد أن قاسينا أكثر من المعتاد من انفجار القنابل جمعت رجالي بعد ظهر أحد الأيام وقلت لهم أيها الرجال لقد وجدت طريقة تجنبنا أضرار هذه الآلة الجهنمية والطريقة هي : أغلقوا منافذ مياه الأمطار في فناء القلعة قاموا بتنفيذ أوامري دون أن يسألوني عما انوي عمله وبعد إغلاق منافذ مياه الأمطار قلت لهم اجلبوا الماء من البئر واغمروا به فناء القلعة ، وما إن حان وقت الظهر حتى أصبح كل الفناء مغمورا بالماء بارتفاع ست بوصات وبينما كنا نقوم بهذا العمل كنا نسخر من قنابل حسن باشا 0 
ورغم  ما كانت مدافعهم تحدثه من ثغرات  وفتحات في القلعة إلا أن النتيجة  كانت رائعة قهرت العدو وجعلته يحس بالخزي أمام قائد لا يستسلم ورجال تسلحوا بالإيمان والصبر يقول :

طوال فترة الحصار تمكنا من قتل الكثير من أعدائنا وكنا في الليل نرمم ونسد الثغرات التي أحدثتها الأعداء بالنهار ، وهي ثغرات كان الأتراك يأملون توسيعها ،حتى يتمكنوا من اقتحام القلعة للقضاء علينا جميعا غير أنهم كانوا يستغربون سرعة سد وترميم تلك الثغرات  .

ولم يتبق  أمام حسن باشا غير التهديد في أثمن ما يملك بطل القلعة :

{إذا لم تستسلم في الغد فسنقوم بعقر كل أشجار نخيلك }
وجاء الرد :

{لو كانت أشجار نخيلي مزروعة في فناء هذه القلعة لما تجرأت على عقر نخلة واحدة ، وإذا كنت غير قادر على عمل أي شيء من أجل حمايتها ، فان إرادة الله هي الغالبة }وهكذا كثرت  ممارسات العدو الغازي للنيل من عزيمته ,فاقتلعت النخيل فبدا وكأنهم يقتلعون قلبه  من مكانه ,ولكنه صبر وثبت حتى  نفدت الذخيرة وفقد العون و المساعد, ويئس من عون يأتيه من القبائل الأخرى ,فاستسلم بعد أن  قدم أنموذجا للشجاعة والثبات .

ولن أترك هذا البطل حتى أسطر عبارته الفاصلة التي تشير لمعدن الرجل الحكيم الشجاع :

{ إلى أن موقفي من التصدي لهذا الحملة ـ كلمة غير واضحة في المصدر فسرتها بحملة ــ لن يقيني من لوم قومي سيكرهونني جميعا لأنني خسرت الحرب , لو كنت منتصرا لمجدني كل إنسان }فأي رجل أنت يا علي الصعيري ! فعلى الرغم أنك لم تتدخر جهدا ولم تقصر في البذل لازلت تحمل هم لوم يأتيك من قومك ؛ إنهم الرجال حقا الذين يعيشون لغيرهم , يرون حياتهم تمتد في الآخرين وليس فيهم هم فقط ,ولذا يبذلون دون أن ينتظروا المقابل . رحمك الله يا بطل بني سلول  وأدخلك فسيح جناته .

الجوهرة السلولي

twitter facebook digg delicious linkedin technorati stumbleupon

الرد

12 تعليق على “بطل بني سلول”

  1. الكاتبه الجوهر السلولي
    صحيفة الجزيره الصادره اليوم الاثنين 1435/8/4
    فيها مقال للدكتور محمد آل زلفه مترجم كتاب رحله في بلاد العرب للرحاله الفرنسي موريس تاميزيه
    تكلم عن قلعة بن شكبان في الرقيطاء ودور أسرة آل شكبان أثناء قيام الدوله السعوديه الاولى وتحالف مع قادة هذه الدوله وولاءهم المطلق لهذه الدوله
    وكذلك تكلم عن قلعة المحلف التي تقع في قلب بلاد بني سلول في مركز بيشه الحضري وسوقها الشهير .
    ارجوا الاطلاع على الصحيفه وقراءة الموضوع كاملا للاهميه .
    وشكرا.

  2. يقول fahhad bin shukban:

    الاخت جواهر سردك لقصة بطل الرقيطاء جميل والاجمل منه انك قمتي بتحريف القصه بما يتوافق مع هواك ونسبتي القلعه لعلي بن مشاري الصعيري وسميتيه بطل القلعه وهذا يعتبر تعدي على تاريخ القلعه وصاحبها الحقيقي وقبائله الذي تعرفه جميع قبائل المنطقه الجنوبيه والمملكه بأسرها .
    والقبيله التي تسكن الرقيطاء قبيله معروفه وهي موجوده بها حتى اليوم وذكرتي ان كان يخشى اللوم من افراد قبيلته والمعروف ان الرقيطاء لم يسكنها ولن يسكنها احد من بني سلول لا ف الماضي ولا ف الحاضر وان كانوا كما ذكرتي فأين مكانهم ف الرقيطاء او قلاعهم وحصونهم كما زعمتي وكتب التاريخ توضح ذلك وليس كاتبك الفرنسي الذي استقيتي هذه المعلومه منه وألفتي هذه القصه التي لم يذكرها احد من ابناء المنطقه وﻻغيرهم ولا احد من الكتاب والمؤرخين فأرجو منك ان تقرأي تاريخ المنطقه جيداً وﻻ تكتبي ماﻻتعرفين عنه شيء سوى ان المؤلف الفرنسي ذكره في كتابه .
    وهل وصل بنا الحال الى ان يكتب تاريخنا كتاب غربيون ونحن ننسخ مايقولون !؟ ارجو عدم كتابة التاريخ اﻻ من مصادر موثوقه .
    وارى ان الشخص يكتفي بتاريخه ان وجد له تاريخ وﻻ يتطاول على تاريخ غيره .
    فالكل معروف ولا يوجد هناك تأريخ مفقود حتى تجتهدين وتكتبين عن تاريخ لم يسمع به من قبل والشيخ على بن مشاري الصعيري معروف وتاريخه مشرف وﻻيحتاج الى من يزيف الحقائق .

    • يقول الجوهرة عبدالله السلولي:

      أستاذ فهاد ,
      آسفة على التأخر في الرد , أنتم لا يجهلكم إلا جاهل ولا ينكر مكانتكم إلا جاحد وما أنكر بمقالي شيئا ولا أنتقص منكم وحاشاي وحاشاكم أن نفكر في هذا .
      أما عن المقال فحقيقة لم أكن أرغب حين كتبته أن أدلس حقائق و ولا أن ازور أمرا . وجدت هذه القصة في كتاب لمستشرق ونقلته ورويت الحكاية بطريقتي . على انها مجرد حكاية
      تصور لنا بطل يسر بنو سلول أنهم منهم بل تسر بيشة كلها به .
      ولكني لم أتصور أن يجد مقالي هذا كل هذه الاعتراضات .وما أردت به إلا أن أكتب عن قصة أعجبتني لبطل منا . لم أسع لشيء ولا أرغب في شيء وما دار بخلدي أغضابكم أبدا أو منازعتكم حقا.
      الحقيقة لا يغيرها مقال لي, ولا ينقصكم من مكانة شيخكم وشيخنا سلطان بيشة مقال .
      خالص الاحترام والتقدير

  3. يقول الصارم:

    عنه هو راعي بيشه سالم بن شكبان أو كما كان يطلق عليه سلطان بيشه ودليل ذلك واضح وهي قلعة بن شكبان بالرقيطاء وهي معلم ﻻيجعله اﻻ النساء واﻻطفال وأما ماكتبه الرحاله الفرنسي فقد كان فيه تدليس في نقل الحقائق أو إشتبه عليه اﻻسم وهو كتاب على ورق ﻻ يغير مسار التاريخ الذي يحفظه الكثير من رجال بني سلول وﻻ مجال فيه للمغالطه أو التزوير نحن وبنو سلول ربع ورفاقه منذوا العصر الجاهلي حتى تاريخنا الحاضر ولن يغير مجرى التاريخه أو أحداثه المتطفلين عليه فالتاريخ كتب بالدم وﻻ يمحاه ماكتب بالفحم

    • يقول الجوهرة عبدالله السلولي:

      عذرا على التأخر في الرد, ومهلا على أختك فوالله ما قصدت من هذا بلبلة ولا إزعاج أحد أو الانتقاص من أحد .
      وشيخكم شيخنا ولكم خالص تقديرنا . ولكن أنا حقيقة وجدت الموضوع واخذتني عظمة الشخصية وروعتها فكتبت دون أن أرجع للكبار لأسأل .
      عذرا لو وجدتم أني تعديت عليكم و على شخص شيخكم وهو والله شيخنا نحن أيضا رحمهما الله وغفر لهما ولجميع أموات المسلمين .
      أرجو أن لا تغضب مني ولا أن تظن بي رغبة في خلاف أو منافسة .
      لك خالص التقدير
      الجوهرة

  4. يقول صالح المعيض:

    كم انت رائعة لقد حلقتي بنافي سماء ماض ثري وغني قفز عليه المؤرخون المتعنصرون لولا همسات بعض الرحالة المدركون ..

  5. يقول ابو سلطان الجبيري:

    ونعم الرجل …

    رحمك الله يا علي وغفر لك



6٬876
HTML CSS