حين نغيب تبقى أرواحنا متشبثة بالمكان ويبقى عبق تلك الأرواح لا يلغيه كر أيام حتى وكأن الجدران تشربت بنا وبروائح أجسادنا واحتفظت بأصداء أصواتنا .إن الغياب لا يعني إلا مزيدا من الحضور . اخترت احرفي وانقيت كلماتي ولكني لم أختر ان توجه إليك إنها انسكبت كما ينسكب الماء نحو مصبه فاتجهت إليك رغم مراوغتي و محاذيري ,
تخونني قدرتي على التعبير هل لأني لازلت أحدق في ذات المكان وذات الزمان ؟ أم لا زلت مسكونة بك حتى أفرغت من كل شيء حتى اللغة ؟
تُرى من يستطيع أن يبتر ماضيه من حاضره وإن يقتطع نفسه من نفسه ؟
أيها العزيز , إن المشاعر التي لا ندعيها وتطلبنا ولا نطلبها وتأسرنا في داخلها هي ذاتها التي ترتبط بالذاكرة والذاكرة جزء منا لا نستطيع التفلت منه . لا أدعي حزني ولا أدعي فقدي إني أفتقدك أفتقد جزء مني أفتقد شيئا كان بداخلي يخالط الروح ويخالط الوجدان ويسري مع الدم . إني أكتمل بك وأنقص بدونك وأسعد بك وتألم بدونك أحس بك وأتبلد بدونك . أهذا ما يعنيه الفقد ؟
ماذا يعني الفقد ماذا يعني أن تخسر جسرا يوصلك بالحياة ونافذة تربطك بالسعادة؟ ماذا يعني أن تخسر قلبا يحتويك ويتفقدك ؟ ماذا يعني أن لا تجد قلبك ينبض ولا روحك تحس ولا نفسك تتوق ؟ لا يعني إلا نوعا آخر من الموت أو نوعا آخر يشبه الحياة .
نحن لا نمارس الحياة لنسعد نحن نسعد لنمارس الحياة ,وأنا لا أعرف كيف أفهم هذا اللغز ؛ لغز السعادة . وأي سعادة أرتجيها وأي وجود أبحث عنه , وقد صارت الحياة مجرد وعاء يمور بأرواح كثيرة تحتويها أجساد تتفاوت في لطفها ولطافتها وحسنها وقبحها ,وأنا في خضمها روح ضائعة في زحمة الأيام وزحمة الأرواح مخنوقة بالوجود مهزومة بالفقد .
.إني أحاول أن أحيا وأحاول أن أسعد وحين نحاول يعني أنّا نمد أيدينا برغبة لما نريد , ولكن مجرد الرغبة في السعادة لا تأتي بها . لست أفهم لم علي أن أبحث عن السعادة ؟ أليست تعرف دروبها وتتصل بالقلوب لتغمرها فترات كما فعلت بي ثم تنسحب فجأة قبل أن نقبض عليها وكأنها ضوء الشمس حين بنفذ إلى الأماكن فترة ثم يزاور عنها تاركا لها الظلام . وهكذا تفعل السعادة بالقلوب .
هكذا أنا من بعدك يا عزيزي , تتشرد الروح في مغبة الفقد , وتتوق لأن تؤوب إلى سكنها وموطنها ولكن بعدك لا موطن يحتوي روحي ولا سكن تقر به .إنها الغربة غربة قاحلة كاوية رغم ما يحيط بي من وجود ولكني لا أحس به لم لا أحس به ؟ لم أفقد الإحساس بكل شيء بعدك ؟ هل سلبتني حتى الإحساس ؟ أعذرك طالما الموت عذرك ,ولكني ألوم الفقد وما يخلفه في روحي من ظمأ وتعطش إلى روحك وحديثك وتأمل صفحة وجهك .ولا أحد يعذرني طالما الفقد يصيب كل البشر .
يقولون أن الإنسان يصنع نفسه ويملؤها بما يشاء ,ولا أدري أي تلفيق هذا وأي غرور يملأ صاحب هذه المقولة ؟ ! إن الإنسان يدلف للحياة فارغا وهي تملؤه بما تشاء هي لا هو ,فمذ كنا صغارا وهي تحقننا بألوان شتى من الدروس ونوازع من الشر والخير حتى صرنا على ما نحن عليه ولا نملك لهذا الذي نحن صرناه اختيار .فالحياة تصوغنا وتشكلنا حتى نحتت منا هذه الأرواح بنوازع ومشارب مختلفة و تستتر بثياب الأجساد فلا تكاد تسترها وتختفي بالأقنعة فلا تكاد تخفيها . وأنت يا عزيزي شكلتك الحياة بعناية ولونت طباعك بألوان فاتحة لا غش فيها ولا تزوير حتى صرت لي أكثر وضوحا من ضوء الشمس وأكثر إشراقا من سطوع القمر .إني لا أكره شيئا كرهي للغامضين المتلونين ولذوي الوجوه مغلقة والقلوب مغلفة التي لا يخترقها حنان ولا يعتصرها حنين ولا يلينها صدق إحساس . فاض الحديث ولكن زبد سيل هكذا صار حديثي زبد سيل وهكذا هي الحياة حين صيرتنا مجرد زبد سيل .يوم ما سنلتقي فكن على انتظار
الجوهرة
14 /9 /1434 هـ
رسائل إبداعية كم عانت حروفها من الوجع ؛ فهل الإبداع يلدأكثره من رحم الألم؟!.
كم أعشق حروفك رغم وجعها!..
دمتِ بخير
شرفتني بمرورك يا عزيزتي , فمرحبا بك دائما .