حطام :

أدعوتني لحديث مصارحة ومصالحة فماذا ترتجي بعد مني ؟ ماذا تريد أن تحطم بعد ؟

وماذا وبماذا تتحدث من انتابتها موجات غرق بعد غرق؟

وما الذي تهبه الأغلال للمغلول ؟وكيف أفهم في زمن الرق ما يشرح في عصر الحرية وبينهما مسافات من الليل ؟

تجفل الأفكار من الأفكار وتنكمش خائفة أن تكون في العلن وهي تظن أنها بالتكتم أقل إيلاما فإذا بها أكثر ضجيجا وأكثر ثورة وسَورة .

حين تبقى الأفكار المؤلمة في الأغوار مستترة تبنى لنفسها أنصالا تبردها كل حين لتفك عنها قيود الوحول وتتحرر من ربقة الطين لتعتلي وجه السماء غير مبالية بما تخلفه وراء ها من اهتياج وثوران وما تتركه على صفحة النفس من ندوب , فحاذر أن تصنع مني هذا البركان .

إني أصارع ذاكرة جمعتني بك لتبقى طي النسيان وفي الأغوار خشية الطوفان الذي يلي مد البحر بعد الجزر.

ليس خجلا ،لا ولا خوفا ولا حتى قلقا،لكنه مزيج من هذه كلها,حالة لم يسمها أحد ولا أحس بها أحد , تستبيح داخلي وتتصيد لحظات شجن فتهطل جارفة لكل السدود والحواجز وأبقى صامدة أمامها رغم الهديرالذي يصخب في داخلي. وحتى اللغة صارت تتململ تحت ضغط هذا الصخب وتصخب وإن خفتت نبرتها.

يا لهذا الوجع الذي يظنه البعض ترفا ،وهل مصيدة الترف تجلو الصدأ أم تسكب على الصدأ ماء ليتحلل وينتهي إلى الفناء ؟ ليس ما بي وقوع في مصيدة ترف ولكن عبور لنهر جارف ترك للتيار قارب ضعيف أغري بالعبور وترك للإعصار .والعمر لا يرحم والأحداث لا تبالي والأيام لا تتوقف ولا أحد يهتم.

وأنت وهم تهدرون في رأسي دويا يشبه دوي خلية النحل . ولا مناص من أن أحدق في وجوهكم وأستمع لهدير أصواتكم ولكني أذبكم عن ذاكرتي كما الذباب.

وغل القيد لا يزال في معصمي ولليل يبحر نحوه .إنك تأخذ من أيامي ما ليس لك وتنتعل العمر دون حساب .وأعلم أنك لا تمتلك ما غيبته الأيام في طياتها ,ولكن ما تشعله بيننا من حروب لا تذر خلفها إلا الخراب, وإن حل الخراب بالقلوب ستنتشر رائحة النهايات وتختنق الأرواح باحثة عن منافذ النور متخبطة كفراشات تهوي نحو الاحتراق.

إني كذلك فعلت بحثت عن نوري فسقطت في نار, إني أتصدع وأحترق وأذوي, ويذوي  قلبي وتتشظى روحي, وأنت سادر في غرورك غير مبال .

تُرى على أي شيء يتكئ هؤلاء الرجال حين يظنون أنهم يتقنون فن المراوغة والتحايل ؟ ألا يعرفون أن للمرأة قلبا شديد اليقظة نحو من يحب ؟ تبا أي حب هذا الذي نجرع مرارته ,فحين ينحرنا حب ويهز كياننا ويسحق كرامتنا فليس هذا حبا ؛ إنه شيء يشبه الانتحار غرقا . لن أموه الكلمات فما عادت الكلمات تحتمل التمويه والذي يحتشد في القلب أكبر من الكلمات فكيف تموه؟ إن التمويه حالة من التزوير وأنا لا أزور . وحتى غباءات البوح الذي أشرق ذات وضوح وصدق قد تكفن بشيء من التكتم وتنصل من الحقيقة أو بعضها. إنك تتآكل فتتحلل معك أصدق مشاعري,

لاشيء يتغير, تعلمت كيف لا أستوقف الغصات ولا أتجرع أكاذيب الخيانة . فلا شيء في أكاذيبك يشدهني . إنك مغموس في جهلك حتى النهاية

ما أكثر أقنعة بلا وجوه ولا حقائق ! تستتر من أكاذيبها بأكاذيبها وتحترس من خداعها وتستريب حتى من نفسها, تتغشاها العتمة وتحيط بها الظلمة وهكذا كنت وكان حديثك الذي دعوتني إليه . تبا أية وليمة أولمتها لي ! أهي العشاء الأخير ؟

وفي كل يوم أكتشف لك وجه والخيانة جثة نتنة أشم رائحتها في ثانيا حديثك .

إني أخاف من وهم زارني ليخفف عني وطأة الحزن وهم صور لي وجود فارس أخير ستقودني الحياة إليه أو تقوده إلي , وما أنا إلا بشر أخاف أن أقع في ضعفي وتجرني لما لا أحب ونحو ما أكره وأنا أطرد هذا الوهم الغبي , فهل ستجرني خيانتك للخيانة ؟ هل سأكون صورة منك ؟ هل سيقودني الإحساس بالخيبات لأن أقع في نصل السكين الذي ذبحت به ؟

جبان أنت حين سلبتني كل سلاح وتركتني مخذولة في ساحة معركة تمتلئ بالأوغاد. فماذا تنتظر مني ؟ قد طرقت أبواب قلبك المغلقة وتلمست طريقي نحوك فزرعته إهمالا وغدرا , فعدت أدراجي أتلمس مخرجا وخيط نور فر من باب مفتوح بعد أن كسر خطوي خذلانك  ,حتما أن الأبواب المغلقة لا تفضي لشيء ولكنها تترك فينا إحساسا بالخيبة ترافقنا وإن قادتنا أقدامنا للباب المفتوح.

صراع نفسي رهيب بين أن أبقى قابضة على الخيبة على مقعد انتظار تملم من الانتظار وبين أن أرتق صدع روحي وأرمم شروخها و أمضي في سبيلي بدونك وإن قيدت يديّ وأعقت  الدرب ليحتوي أقدامي .

سامحك الله , كنت تسقي الأرض بالعطش والسماء بواهج الشمس . فماذا تريد من أرض لا تقبل إلا بالخضرة ولا تستنبت إلا النخيل ؟

لن أخون, لا لن أخون فالنخل لا ينبت حنظلا .إني أحترس وابني على روحي أغلفة تستر ضعفي , وحين يطرق روحي تحذيركهذا :

 إنك تدخلين في دائرة من المحذورات تتوقين بها المهالك فتقعين في دائرة من المحظورات فتهاوين في دوامة من الحرمان.وما الحرمان إلا صعقة تهز الروح وتتركها في فوضى عارمة .

أحاول أن أستعيد روحي و أرتب فوضاها غير أنك تصخب فيّ كل حين, فلا أنت قريب ولا بعيد ولا أنت حاضر ولا غائب شيء يشبه الضجيج الذي نسمعه في غفوة فيقلق مرقدنا ولا يوقظنا .

حاولت أن أتغلب على نفسي فلم أستطع قد كان الأسى غلا وأنت ووجهك والعمر الذي نهبته مني غصة, حاولت أن أبقى صامدة في ساحتك فوجدت أني أحارب كل الجبهات، وبأسلحة غبية لا تصنع نصرا.

علي أن أخلعك من قلبي وأن أنزعك من ذاكرتي وأتجرد من عاطفتي لأبدأ من جديد؛  نظيفة بلا ماض ولا ذاكرة  في زمن يغص بالخونة أمثالك والكذابين والمتلونين, وأنا لا أملك تلك الأسلحة التي تمتلكونها . هل صار لزاما على من يريد أن يدلف للحياة أن يتسلح بكذب وخيانة وخديعة ؟

أهذه هي أسلحتكم ؟

حسنا سأجرب أن أخوض حروبكم ولكني أدرك أني من سيخسر وهل أفلحت جهودي معك حين مددت يدي بصدق ووفاء فلطمتها بغدر وخيانة ؟ أيجب أن أقبل تلك المعاني ؟وكيف يزورّ الصدق ويقنع الوفاء ؟ لا أستطيع أن أكون كذلك ؟ فمن لا يعرف الكذب لا يجرؤ عليه . ومن لا يعرف إلا الوفاء لا يتنصل منه .

فماذا على مثلي أن تفعل ؟ ذاهلة أنا غافية، أعالج سكين غدرك الذي غار نصله في القلب ،وخاض في اللحم والدم.

وهل من السهولة أن لا أكون أنا ؟ كيف أضعف عن تزوير نفسي والركض وراء أهوائها ,هل من الصعوبة أن نحاول التلبس بروح ليست لنا لنحيا أم علينا أن ننحر أرواحنا على قارعة الحياة لنتسولها أن تمد يدها إلينا أو تتركنا نمضي نحو نهايتنا , أهو ضعفي ،وسلاحي المكدود العاجز عن أن يسدد نحو الألم رصاصة رحمة ؟

تبا لك كم قلبت كل موازين القيم عندي وجعلتني أتراقص فوق حبل مشدود بين نار ونور.

ما أعجزني عن اتخاذ قرار , وها قد نضب الحرف وسكت الكلام ولم يتبق شيء ليقال غير تمتمات الوداع وإغلاق أسباب الألم.

وصراخ صوت في رأسي : قولي وداعا وخلصي نفسك من زحمة الوجوه. قول له وداعا وتمسكي بقارب نجاة يخلصك من موجات غرق عصفت بك زمنا .

تبا أبعد أن أنقضى العمر وأقبل فصل الخريف ؟ أيها السارق ماذا سرقت ؟

أثمن ما أملك ؛

العمر .

 

twitter facebook digg delicious linkedin technorati stumbleupon

الرد

تعليق واحد على “رفيف الأرواح { حطام }”

  1. يقول نوره:

    اعجبني مررره



2٬491
HTML CSS