أم صادق لجوجة مزعجة كثيرة الثرثرة تقتحم المنزل في كل وقت تطرق الباب وتدخل , ثم تجلس لتثرثر في كل شيء . تتحدث عن زوجها وأبنائها ثم عن الجارات ويتسع الحديث ليصل إلى البعيدين من الجيران . كأنت أمي تصغي إليها بدهشة وصمت, وهي لا تترك فرصة لأحد ليبدي رأيا أو يقطع حديثها بأية ملاحظة . وكانت أمي تتنفس الصعداء حين تخرج عائدة لبيتها أو لعلها تطوف منازل الجيران وتنثر أحاديثها في مجلسهم وتخرج . ولكنها اليوم أضطرت لتصمت ؛ فحديث ضيفتنا جاذب ممتع أكثر من ثرثرتها. ظلت تحدق بها تنتظر لحظات تنقض فيها وتفرط حبل غسيلها كله , ولكن
أمام طاولتها المنعزلة كانت دائما ما تجلس شاردة , وحين أطرح سؤالا تبدو كما لو أني انتزعتها من عالمها ,فتحدق بي برهة ثم تقف جامدة بلا جواب . ألم تذاكري ؟ تهز رأسها بالنفي . لم ؟ لا ترفع عينيها وتلوذ بالصمت . أطلب منها الجلوس فتجلس . وأعود للشرح فتعود للشرود . حسنا يا عزيزتي , ما الذي يشغل هذا الرأس الصغير ؟ لم يفارقني وجهها الحزين ولا تحديقها إليّ بعينين شاردتين . تحدثت إليها لوحدنا فبكت ولم تقل إلا كلمة تعتذر : عذرا أنا آسفة . وغطت وجهها بكلتا يديها واسترسلت في بكاء . قلت لها : حسنا