ترتعش الروح التي أوشكت على التلاشي حين تعثر على من يشبهها ؛ روحا متوهجة توقظ عتمتها وتشعل حناياها بدفق الحياة وهذا ما أحدثه توهج روحك , ولا أدري أيها العزيز كيف تمكن هذا التوهج أن يسلبني لب روحي وهو ومضة خاطفة ؟ كنت أنانية بل أرسف في أنانيتي حين أفلت روحك كي أحابي ممشى يسير في دهاليز أرواح معتمة رغم حاجة كلينا للآخر . ولم يكن بمقدوري أن أفعل إلا ما فعلته ولم يكن لخطاي أن تسير دربا غير الدرب الذي قدر لها . ألم تكن ساعيا إلى المثالية ؟ألم تقضي عمرا تدعو إليها ؟ لم أفعل إلا ما كنت
لا شيء يستحق يوقظني نحوها تبرم بالموت وتستشف الروح بكثير من الأسى وتصعد نحوي مثقلة بهم الخلاص وتنزاح الصور عن ذاكرتي علها تـُشفى وتخنقني أفكار مجنونة تسوقني نحو هاوية من الظلام وتقذفني نحو بؤرة الإعصار فأختنق—— أختنق تكتسحني فوضى المشاعر تجمعني ثم تشتتني وتأسرني ثم تطلقني وتطبق بألم وقسوة على مبعث الحياة والنور ويلحقني ظلك الكئيب ووجهك القاتم وحزن يتسرب من أعطافك إلى القلب سكينا وأتبرم وأستغيث يا مغيث , ولكن تقبض على الصوت أيام غواية لا تزال بي لصيقة ولا زلت في دمي أتخبط ولا يزال ظلك ظلام يتبع خطاي ويشلها ترى هل تستحق هذا العناء ؟ ولم أنت
اهتم كثيرا بهندامه ,تأمل وجهه في المرآة ,وراح يجر الكوفية على رأسه ,ويصلح من شماغه , ثم تلفت حوله وتنفس الصعداء .لم تكن موجودة دندن بأغنية أحبها وراح يصفر بطريقة إيقاعية . رش كثيرا من العطر ومسح صدغيه به . عاد يتأمل نفسه و تنهد عميقا ,وقبل أن يسير نحو باب الغرفة وقفت هي فجأة أمامه .سألت بقلق : إلى أين ؟ رد بلا اكتراث : لدي دعوة . دعوة ؟! كثرت الدعوات الموجهة إليك . ممن ؟ التفت ورد بهدوء محاولا أن يكون لبقا منتقيا ألفاظه بدقة : عزيزتي , لا وقت للحديث حين أعود سيكون لديك تقريرا مفصلا
أهمس إليك أيها العابر , فكم رتقت الوقت بهم الانتهاء ! وتسلقت العمر الكئيب والليل لا زال يحدق في بياض العمر أين قفزات الطفولة ؟ وابتسامات فجرها ؟ أين صباحات النور في شموس النماء ؟ أين جدائل الفجر في ثغر الصباح ؟ وشروق الطهرمن أرواح الصغار ؟ وأين تلك المنعرجات التي عبقت برائحة أجسدنا ؟ ورددت صرخاتنا وضحكاتنا وجعدنا ترابها بعري خطانا ؟ أ فكلما أقبل يوم تشظى العمر على صفحاته ؟ والنور في قبضة الليل ثمة سر وراء الحياة تبوح به دموع الطبيعة للصباح أفواج نور منبثقة من اليقين مطر يقبل شقوق الأرض وأنا في تلافيف الأيام أحجية في
المطر الأسود وليلة مزعجة رأيت وكأنما سفينة ترسو ولكن ليس على بحر ,رأيتها ترسو على رمال ذهبية . رأيت أفواجا من البشر لا ترتدي ثيابا مألوفة . تقف فوق السفينة وتحاول النزول ,وعلى وجوههم شيء واحد لم أره ولكني أحسسته ؛ كان الشعور بالخوف والرهبة والترقب مرسوما واضحا على تلك الوجوه . رأيت القمر صار قمرين وبجوارهما الشمس . كان ضوء القمرين يخبو شيئا فشيئا, وكان ضوء الشمس يتضاعف حتى ألهبت حرارتها الرمال . ثم أحسست وكأن الأرض تهتز , ثم مادت السفينة بأهلها قليلا . وصار الصراخ يسمع واضحا يخرج مبحوحا من حناجر البشر الغرباء . كان العرق يتصبب